مدخل إلى علوم التربية - المنتدى العام

مدخل إلى علوم التربية

المنتدى العام

إضافة رد

نسخ الرابط
نسخ للمنتديات

قديم 08-11-2012, 10:58 AM   #1
القماح
مدير عام
 
الصورة الرمزية القماح
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
الدولة: أصيلة - المغرب
المشاركات: 1,091
افتراضي مدخل إلى علوم التربية

تقديم :
يُلاحظ أن المهتمين بميدان التربية و التعليم أخذوا يستعملون خلال الآونة الأخيرة مصطلحا جديدا للدلالة على النشاط المعرفي المرتبط بالتربية، الذي هو مصطلح علوم التربية، هذا الأخير بدأ ينتشر على حساب المصطلح القديم: البيداغوجيا.
فكيف يمكن تفسير ظهور علوم التربية؟ و ما هي طبيعة هذا النشاط المعرفي الجديد؟ ما هي علاقته بالتربية؟ ما هي أنواع التفسيرات التي يقدمها للظاهرة التربوية؟ ما قيمة هذه التفسيرات من الناحية العلمية؟ و إلى أي حد تساهم علوم التربية في تطوير العمل التربوي؟ تلك بعض أهم الأسئلة التي يطرحها الباحثون المتخصصون في هذا المجال و التي سوف نحاول ملامسة بعضها في هذا الموضوع.
ظروف نشأة علوم التربية: يمكن القول بأن ظاهرة علوم التربية ظاهرة حديثة العهد. فمصطلح علوم التربية استحدث بكيفية رسمية للدلالة على تخصص جامعي مستقل في نهاية الستينات، و من دائرة الجامعة توسعت علوم التربية فنفذت إلى دوائر أخرى على رأسها مجال التكوين و بخاصة تكوين أطر التربية و التعليم. و يمكن حصر أسباب ظهور علوم التربية و انتشارها في سببين رئيسيين هما: 1- تطور مفهوم التربية ذاته، فالتربية كممارسة إجتماعية إنسانية لم تعد مقتصرة على الأطفال و المراهقين بل أصبحت تطال الراشدين أيضا، أي أنها تستهدف إدماج الأجيال الناشئة و إعادة تكوين الكبار بما يمكنهم من التكيف مع مستجدات الحياة المهنية و من تم ظهرت أشكال جديدة للتربية كالتربية المستديمة و التكوين المستمر و إعادة التكوين إلخ... هذا ما جعل مفهوم " البيداغوجيا" قاصرا فكان لا بد من ظهور مصطلح جديد أقدر على الإحاطة بمجالات التربية ألا و هو مصطلح علوم التربية. 2- التطور الذاتي للفكر التربوي، في هذا السياق يمكن التمييز بين ثلاثة محطات أساسية: * في البداية كان التفكير التربوي تحت هيمنة الفلسفة حيث تميز بتمركزه حول مسألة الأهداف و القيم و اهتمامه بالمحتوى على حساب الطفل و تعامله مع هذا الأخير كرجل في صورة مصغرة. * في أواخر القرن 19 أخذ التفكير التربوي يتجه اتجاها علميا و ظهرت عدة محاولات لتأسيس البيداغوجيا انطلاقا من معطيات بيولوجية و سيكولوجية و ما يعاب على هذا التوجه هو الإهتمام بحاجات الطفل على حساب الأهداف و المحتوى. * تم اكتشاف الظاهرة التربوية كسلوك إنساني معقد له أبعاد و جوانب متعددة و متداخلة تحدده عوامل مختلفة.
و لذلك فإن تفسير هذه الظاهرة يحتاج إلى تظافر جهود علوم متعددة تعنى بالبحث في التربية هي ما يصطلح على تسميتها بعلوم التربية. فما هي إذن هذه العلوم؟ و ما هي علاقتها بالتربية؟ و كيف تتعاون فيما بينها لتقديم التفسير الشمولي و الموضوعي للتربية؟.
التعريف بعلوم التربية: قبل اقتراح تعريف محدد لعلوم التربية نرى من اللائق الوقوف عند بعض الصعوبات التي لا بد أن تعترض كل من يريد البحث في هوية هذه العلوم و تتمثل هذه الصعوبات فيما يلي:
1- حداثة هذه العلوم: فباستثناء تاريخ التربية و فلسفة التربية فإن ما تبقى من هذه العلوم يعد حديث النشأة حتى أن بعضها لازال في طور النضج كما أن هناك احتمال ظهور علوم أخرى في المستقبل، و هذا الوضع يجعل من أي تعريف يقترح حاليا تعريف مؤقت لهذه العلوم.
2- وجود اختلاف بين الباحثين حول مكانتها العلمية: فبعض هذه العلوم تتوفر على رصيد معرفي و منهجي يجعلها في مصاف العلوم المعترف لها بالمكانة العلمية في حين لا يتوفر البعض الآخر على هذه الشروط مما يجعلها محطة جدل بين الباحثين و كمثال على ذلك فلسفة التربية التي لا يمكن اعتبارها علما بالمقاييس المتعارف عليها للعلوم.
3- تميزها بخاصية التعدد: فعلوم التربية تشكل عائلة معرفية تضم تخصصات علمية مختلفة، و هذه الوضعية تطرح إشكالا أساسيا هو إلى أي حد يمكن الحديث عن علوم التربية ككيان معرفي موحد و مستقل؟.
- و جوابا على هذا السؤال الأخير يعتقد ( ميالاري) أن ما يحدد هوية علوم التربية و يجعل منها منظومة معرفية موحدة هو ارتباطها بموضوع مشترك هو الوضعية التربوية و النشاط التربوي بشكل عام. و هو يعرف علوم التربية بأنها "مجموعة من المواد التي تدرس شروط وجود الوضعيات التربوية، و اشتغالها و تطورها" و حسب (ميالاري) دائما فالوضعية التربوية هي السياق الذي ينشأ داخله النشاط التربوي و تتميز بالخصائص التالية:
* تشترط وجود شخصين على الأقل.
* توجد في أماكن مختلفة: الأسرة، المدرسة، الشارع...
* قد تكون قارة دائمة أو عابرة و ظرفية.
* تؤثر على شركائها و تأخذ منهم نشاطا معينا.
يتضح من هذا التعريف أن الوضعية التربوية كإطار منظم للنشاط التربوي هي معطى جد معقد سواء بالنظر إلى ما يجري داخلها من تفاعلات و أنشطة و عمليات، أو بالنظر إلى العوامل الخارجية المؤثرة عليها، و لذلك فإن دراستها تتطلب البحث في الجوانب الأساسية الثلاثة الآتية:
- على المستوى الأول: تعنى علوم التربية بالبحث في شروط وجود الوضعية التربوية أي في العوامل و الظروف الخارجية المؤثرة عليها، و هذه الأخيرة نوعان: 1 ظروف عامة: تهم النشاط التربوي ككل و تشمل المجتمع بخصائصه التاريخية و السياسية و الإقتصادية، المقررات و البرامج العامة و التوجيهات الرسمية المتعلقة بكيفية تنفيذها، الطرق و التقنيات البيداغوجية العامة أو الرسمية، القواعد العامة المعتمدة في بناء و تشييد المنشآت التربوية، النظام العام الخاص بتوظيف و تكوين رجال التربية و التعليم. 2 ظروف محلية: تهم العوامل و المحددات المحلية للوضعية التربوية و تشمل الوسط الصغير الذي يحتضن المؤسسة التربوية ( قرية- مدينة)، المؤسسة التربوية ذاتها من حيث خصائصها و تجهيزاتها، الفريق التربوي العامل بالمؤسسة من حيث انسجامه و كيفية عمله.
و العلوم التي تعنى بدراسة الوضعية التربوية على هذا المستوى هي: " تاريخ التربية- سوسيولوجيا التربية- الديموغرافية المدرسية- إقتصاديات التربية- الإدارة المدرسية- التربية المقارنة- إتنولوجيا التربية".
- على المستوى الثاني: تعنى علوم التربية بالبحث في أنماط اشتغال الوضعية التربوية، أي البحث في الفعل التربوي ذاته و في العلاقة التربوية، و الهدف من هذا البحث هو الوصول إلى فهم أفضل لسيرورة العملية التربوية على ضوء الأهداف المختارة، و يقترح (ميالاري) إطلاق إسم " العلوم البيداغوجية" على الدراسات المتعلقة بهذا المستوى و تشمل الفروع التالية: " فيزيولوجيا التربية- سيكولوجيا التربية- سيكوسوسيولوجيا التربية- علوم الإتصال- علم التدريس- علم الطرائق و التقنيات البيداغوجية- علم الإمتحانات و التقويم التربوي".
- على المستوى الثالث: تعنى علوم التربية بالبحث في إمكانيات تطوير الوضعية التربوية على ضوء معايير و قيم محددة و تتميز الدراسات على هذا المستوى بطابعها التأملي فهي لا تعنى بدراسة الوضعية التربوية كما توجد في الواقع بل كما ينبغي لها أن تكون في المستقبل و هذه العلوم هي: " فلسفة التربية- التخطيط التربوي- علم البرامج و النماذج".
تصنيف علوم التربية: عرفت علوم التربية خلال العقود الأخيرة تطورا و ازدهارا كبيرين و بالإضافة إلى الفروع القديمة ظهرت فروعا جديدة. و كنتيجة لهذا التطور قامت عدة محاولات ترمي إلى تصنيف هذه العلوم و ترتيبها وفق معايير محددة، و ذلك بهدف تنظيمها تنظيما عقلانيا يساعد على إدراك الروابط و العلاقات القائمة بينها، و يمكن من تسهيل الإستفادة منها بالنسبة للباحثين و الممارسين. و قد تعددت التصنيفات بتعدد المعايير المستخدمة، و سندرج في هذا الموضوع نموذجين في تصنيف علوم التربية. أولا: يصنف (ميالاري) علوم التربية على أساس علاقتها بالفعل التربوي و الوضعية التربوية و انطلاقا من هذا المعيار يميز بين ثلاثة أصناف أساسية: * الصنف الأول يشمل مجموعة العلوم التي تدرس الشروط العامة و المحلية للوضعيات التربوية. * الصنف الثاني يشمل مجموعة العلوم التي تدرس الوضعيات التربوية و الفعل التربوي. * الصنف الثالث يشمل مجموعة العلوم التي تبحث في إمكانيات تطوير الوضعية التربوية.
ثانيا: يستند (اريتيو) و هو باحث إسباني معاصر في صنافته إلى معيار الخاصية المنهجية لهذه العلوم مما جعله يحصل على تصنيف خماسي: * مجموعة العلوم التأسيسية.* مجموعة العلوم المنهجية.* مجموعة العلوم الشمولية.* مجموعة العلوم التحليلية.* مجموعة العلوم التطبيقية.
من خلال النموذجين السابقين يمكن استنتاج ما يلي:
1- يكمن الإشكال الذي يُطرح في عدم الإتفاق على معيار موحد يصلح أن يكون أساسا للتصنيف و هذا ما أدى إلى تعدده.
2- إن علوم التربية تبقى هي نفسها، ففي جميع التصنيفات تتكرر أغلب هذه العلوم.
3- إن تشابه لوائح علوم التربية لا يعني عدم جدوى التصنيف في هذا المجال فصنافات علوم التربية تحتفظ بقيمتها و أهميتها و التي تتجلى في كونها أداة تساعد على اكتشاف التقاطعات و أوجه التكامل و الترابط و التداخل في مختلف علوم التربية كما تمكن أيضا من إدراك التقاطع بين النظرية و التطبيق في علوم التربية.
علوم التربية بين التعدد و التكامل: لعل أهم خاصية تميز علوم التربية هي أنها علوم بالجمع و ليس بالمفرد، فالأمر لا يتعلق بعلم واحد و إنما بأنشطة معرفية جد متنوعة، فمن التاريخ إلى التخطيط و من التحليل الفيزيولوجي إلى الفلسفة و من السوسيولوجيا إلى الديداكتيك إلخ. و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: ألا يقود هذا التنوع إلى الطعن في هوية هذه العلوم ككيان معرفي موحد و مستقل؟. في الواقع، بالرغم من التنوع و التعدد الذي توجد عليه علوم التربية فإنها مع ذلك تشكل كيانا معرفيا موحدا أو عائلة معرفية و ذلك بحكم ارتباطها بموضوع مشترك هو الوضعية التربوية و الفعل التربوي، يساهم كل واحد منها في إضاءة جانب محدد من جوانبه المتعددة و المتداخلة، فكل علم يساهم بنصيبه في المجهود المشترك الذي يسعى لإيجاد التفسير الشمولي و الموضوعي للظاهرة التربوية. و يقدم (ميالاري) مثالا لهذا النوع من التكامل فيقول: " إن سلوك طفل ما في القسم لا يمكن أن يفهم على الوجه الصحيح إذا أهملنا تأثير الشروط الفيزيائية المتعلقة بهندسة البناية المدرسية، و الشروط المادية المتعلقة بالتجهيزات المتوفرة، و الشروط المتعلقة بالحياة العائلية لذلك الطفل كالنوم و التغذية و أيضا ظروف السكن و عدد أفراد العائلة، و العوامل السيكولوجية المتعلقة بالحوافز المدرسية، و العوامل التربوية المرتبطة بشخصية المربي... و قد تكون لائحة الشروط أطول مما ذكرنا، و كلما تعمق التحليل إلا و كان من الضروري الإستعانة بعدد أكبر من علوم التربية".
إن التكامل بين علوم التربية هو إذن ضرورة إبستمولوجية يفرضها التعامل مع الظاهرة التربوية بوصفها سلوكا معقدا تحدده عوامل مختلفة و متشابكة بحيث يتطلب البحث فيها الإستعانة بعلوم مختلفة و الهدف من هذا التكامل هو الوصول إلى التفسير الشمولي و الموضوعي لتلك الظاهرة.
أهمية علوم التربية بالنسبة للعمل التربوي: ما هي علوم التربية؟ و ما هو الدور الذي تلعبه بالنسبة للعمل التربوي بوجه خاص؟ لقد ظهرت مؤخرا مواقف متباينة من علوم التربية، فالبعض يرى أن لها دورا إيجابيا إذ تساهم في النهوض بالعملية التربوية و الإرتقاء بها من مستوى الممارسة العشوائية المبنية على التقليد و الخبرة الشخصية الضيقة إلى مستوى الممارسة العلمية الخاضعة للضبط و التنظيم العقلانيين، بينما يرى البعض الآخر أن علوم التربية لم تحقق أي تأثير إيجابي على العملية التربوية، بل إن هناك من يذهب إلى حد اتهام هذه العلوم بالتشويش على العملية التربوية و إفراغها من محتواها الحقيقي المتمثل في تلقين المعلومات و المعارف الأساسية لجعلها تتمحور حول اهتمامات المتعلمين و رغباتهم، و هكذا يذهب هؤلاء إلى تحميل علوم التربية مسؤولية تدني مستوى المتعلمين و فشل المدرسة في تحقيق الأهداف الموكولة لها.
- إن الرد على هذه الإتهامات يتطلب تحديد الدور الذي تلعبه علوم التربية على صعيد العمل التربوي، حيث تتجلى أهميتها فيما تقدمه من خدمات للعمل التربوي فهي تساهم في تطوير عمل المربي عن طريق تحليلها للفعل التربوي و فحص مختلف أبعاده و جوانبه. كما أن هذه العلوم تقدم للمربي رصيدا مهما من المعارف و الحقائق العلمية المجربة التي تمكنه من ممارسة عمله بكيفية دقيقة و مضبوطة، و في هذا الصدد يقول (ميالاري): " إذا كان من المستحيل ممارسة مهنة الطب أو الصيدلة دون الإطلاع على العلوم البيولوجية و العلوم الصيدلية، فإن ممارسة العمل التربوي لا تقل هي الأخرى احتياجا إلى الإسترشاد بالمعرفة العلمية، و علوم التربية تلعب دورا مهما في هذا الباب، فهي تساعد المربي على التفكير بكيفية دائمة و مستمرة في شروط و محددات عمله، كما أنها تساعده على اختيار و تحديد أهداف ذلك العمل، وإيجاد أفضل النماذج و الوسائل لتحقيقها". و لا تقتصر أهمية علوم التربية على إعداد و تكوين و إعادة تكوين المدرسين فحسب، بل هي ذات أهمية بالنسبة للعمل التربوي على مستويات أخرى فلا يمكن مثلا اتخاذ القرارات الصائبة في مجالات السياسة التربوية، و التخطيط التربوي، و التسيير الإداري التربوي إلخ.. دون الإسترشاد بعلوم التربية.

منقول للإفادة
القماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

قديم 11-26-2015, 06:49 PM   #2
دا سيلفا
طالب جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1
افتراضي

شكرا لك كثيرا على الموضوع المتميز حقاا
__________________
hguhf
دا سيلفا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



جديد مواضيع قسم المنتدى العام
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وراثة الساكنة للسنة 2 بك علوم الحياة و الأرض و علوم رياضية أ القماح دروس الثانية باكلوريا علمية 4 08-30-2012 04:51 PM
النظرية البنائية في حقل التربية Just LuckY المنتدى العام 0 04-05-2012 03:40 PM
يعتقد الكثير من الآباء أن نتائج التربية الحديثة كانت سلبية وأن هذا جعل الأبناء أكثر وقاحة في مواجهة العالم الخارجي، وأن تربيتنا خلال القرون الماضية هي Just LuckY المنتدى العام 0 04-05-2012 03:37 PM


الساعة الآن 03:09 PM

converter url html by fahad7



ما ينشر في المنتدى يعبر عن رأي كاتبه ، ولا تتحمل الادارة اية مسؤولية عن ذلك